ويعد العطف على الفقراء أحد الأمور التي حثتنا عليها الشريعة الإسلامية، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بإخراج الصدقات على الفقراء والمساكين في أي وقت
إن أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلّى بها المرء أن يشعر بغيره من الناس، وأن
يتحسس النقص الذي
يعانيه الآخرون كما يتحسس النقص الذي يعانيه هو، فلا ينسى المرضى إذا كان في عافية،
ولا ينسى
الجياع إذا كان في شبع، ولا ينسى العطاش إذا ارتوى، ولا ينسى الفقراء إذا اغتنى،
فإنّ الملك لله وكلنا
فقراء لرحمته وفضله، ولولا ستر الله علينا لكنَّا جميعًا في بلاء، لذلك كان العطف والرأفة
من علامات شكر
العبد لخالقه واعترافه بفضله وتأكيدًا لصدق عبادته وإيمانه بالآخرة وبالعدالة الإلهية التي لا تمنح بلا
مقابل
ولا تمنع بلا غاية، فإن المنح قد يكون نقمة، وإن المنع قد يكون رحمة ومتى
أدرك الإنسان ذلك تمكن من
رؤية مساحات أوسع تجعله يرى الآخرين ويشعر بأوجاعهم ويتألم لألمهم، فيقدم لهم يد العون إن
كان
مقتدرًا بالمال، فيبذل لهم ويسد ما استطاع من حاجاتهم، فإن الغني هو غني النفس والروح
وغني العاطفة
الذي لا يعميه مال ولا ينسيه الرخاء شدة الآخرين فيحاول أن يزيل عنهم الشدة، فإن
لم يستطع بذل المال
للفقير بذل له المحبة والدعم النفسي، فإن الكلمة الطيبة تسلي النفس المتعبة وتخفف الغم والكربة،
ولا
يعدم المرء وسيلة للمساعدة ولو كانت تلك المساعدة كلمات تشرح الصدر وتصبر الروح وتبث الأمل
في
الفكر اليائس، وكثيرًا ما يكون صدق المودة وصفاء التعاطف أكبر وقعًا من العون المادي الممزوج
بالشفقة أو
التعالي على الفقير. فإن امتنع على الإنسان بذل المال وإن أغلق في وجهه باب الكلام
فيكفي أن يتواضع
للفقير وألا يرسم بينه وبين الفقراء حدود المظاهر بالمبالغة والبذخ الفاحش في المأكل والملبس، ولا
يتفاخر
بما أنعم الله عليه من مال ورفاه ولا يزدري الفقير ولا يتعالى عليه، فهذه الأمور
تزيد الفقير تعاسة وتزيد همه
همًّا وتشعره بالنقص والمذلة، لذلك فإنّ قمة العطف على الفقير تتجسد في محبته ومعاملته بود،
وردم
الفجوات التي يوجدها المجتمع بين الأغنياء والفقراء لا تتوقف منافع العطف على الفقراء عليهم وحدهم،
بل
إنّ هذا العطف يعود على المجتمع بأكمله بالخير، فيجني ثماره الغني قبل الفقير والمُعطٍي قبل
المُعطَى،
ويخلق توازنًا جميلًا وتراحمًا بين أفراد المجتمع، فيذيب الحواجز بين طبقات المجتمع بالبذل والتعاون
والتراحم لتحقيق أكبر قدر من المساواة في الطعام والشراب وفرص العيش، ممّا يخلق التكافؤ المطلوب
لتحسين الإنتاج وتطوير البلدان اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، فإنّ أكثر البلدان نجاحًا وتقدّمًا هي تلك التي
تطغى فيها الطبقة المتوسطة على الطبقتين الفقيرة والغنية فهي الطبقة التي تنهض بالبلدان وتُعزّز
الانتماء والرّوابط الإنسانية التي تحث على التكاتف للنهوض بالمجتمع وبنائه علميًّا وحضاريًّا إنّ المجتمع
الذي ترتفع فيه الطبقة الوسطى تقلّ فيه الجرائم على اختلاف أنواعها، وترتفع فيه سوية التعليم
وتنخفض
نسبة الجهل، مما يرفع فرص الانفتاح الفكري بين أبنائه ليصبحوا أكثر مرونة وتقبلًا للآخر وأكثر
تراحمًا فيما
بينهم، وليتمكنوا من التفكير بأمور أعمق من الحاجات المادية التي تُصبح مُلحّة في حالات الفقر
والعوز،
وكلّما تمكّن الناس من سد هذه الفجوات والفروق فيما بينهم كان ذلك لهم أصلح، فإنّ
الفقر أبو العلل ومنه
تنشأ كل المفاسد الاجتماعية، وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب في ذلك “لو كان الفقر
رجلًا لقتلته مما فيه
إشارة واضحة لمدى خطورة الفقر وأهمية العطف على الفقير والإحسان إليه ومساعدته لإنقاذ المجتمع
بأكمله من مخاطر هذه الآفة الإنسان العطوف على غيره المحسن للآخرين يعيش في راحة مهما
اشتدت
متاعبه، وينعم بالسكينة ولو اجتمعت عليه الهموم، فإنّ روحه بالحب مرتاحة وبالعطاء ساكنة مطمئنة إلى
أن كل ما يمكن أن يحدث لا بد له نهاية، وأنّ الحياة صعود ونزول ولا
استقرار لأحد على حال هو فيها